• كلمة السيد الحكيم في المؤتمر الخامس عشر بمناسبة اليوم الإسلامي لمناهضة العنف ضد المرأة 2023 م – 1445 هـ

    2023/ 08 /19 

    كلمة السيد الحكيم في المؤتمر الخامس عشر بمناسبة اليوم الإسلامي لمناهضة العنف ضد المرأة 2023 م – 1445 هـ

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين

    أصحاب الفخامة والدولة والسيادة والمعالي والسعادة

    السادة والسيدات الأكارم

    -أحييكم أجمل تحية وأشكر حضوركم في هذا المؤتمر السنوي لـ(اليوم الإسلامي لمناهضة العنف ضد المرأة) بنسخته الخامسة عشرة في العاصمة بغداد ، تزامناً مع الأول من شهر صفر يوم دخول سبايا و أسرى و جرحى آل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن تعلق بركابهم و رحلهم الى الشام ، لنستذكر معا التاريخ المؤلم لواقعة الطف و ما جرى فيها وما جرى بعدها ، على ثلة طاهرة مؤمنة بقضيتها ومخلصة لدينها و وفية لمبادئها ومضحية لعقيدتها ومتمسكة بثوابتها ومسؤولياتها تجاه الدين والمجتمع والإنسانية.

    -إن هذه الفئة القليلة عدداً ،والعظيمة في أهدافها و مواقفها و تأثيراتها، قد تغلبت بصمودها ، على عنجهية الشر وطغيان السلطة وسطوة العنف واستبداد الحكم واحتكار الرأي ، لتنتصر بذلك على قواعد الفتنة وأنظمة الظلم و أسس الانحراف ، ولتكتب بدمائها و تضحياتها تاريخاً حافلاً بالعبر والدروس و المواقف ، وقد خلدت ذكراها بحروف من نور ، في الضمائر الحية وفي قلوب طلاب الحرية وعشاق المبادئ وعقولهم.

    -إن واقعة كربلاء بقيادة الإمام الحسين (عليه السلام) قد مثلت أروع مشاهد الإنسانية في أسمى جنباتها و جوانبها عندما ضمت العربي والأعجمي ، الأبيض والأسود ، العابد و التائب ، القائد و التابع ، الصغير و الكبير ، الشيب والشباب ، النساء والرجال ، القريب و البعيد ، القوي و الضعيف ، جميعا في صف واحد ، متراص ، متكاتف ، من أجل هدف و قضية ومبدأ واحد هو التحرر من عبودية الانحراف والجاهلية و التعصب و التطرف ، والانعتاق من أولئك الذين ( اتخذوا و يتخذون مال الله دولا، وعباده خولاً، ودينه دخلاً و كتاب الله لعبا و دغلا ) وقد خرجوا من أجل عزة الإسلام الحنيف وثوابته كما يرد في قول الإمام الحسين (عليه السلام) :( ألا وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي،أريد أن  آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب (عليهما السلام).

    -هكذا حدد الحسين (عليه السلام) و فصل في حركته ونهضته ، بين خطين منفصلين متضادين : الحق و الباطل ، الصواب و الخطأ ، العلم و الجهل ،  النور و الظلام ، العدالة والظلم ، الحرية والعبودية ، الاستقامة والانحراف ، وهذا الفصل والتمييز هو الذي جعل منه إماماً قائداً وهماماً بطلا خالداً ، ومصباحا للهدى وسفينة للنجاة وطريقا للخلاص ومنهجاً للحياة و منارة لجميع أحرار العالم والمجتمع الإنساني ماضياً وحاضرا ومستقبلا.

    -إن مسيرة السبايا بقيادة بطلة كربلاء السيدة الجليلة الصابرة زينب الكبرى ، ودورها المفصلي في إدامة الزخم الحسيني و المسيرة العاشورائية ، إن دلت على شيء فإنما تدل على مكانة المرأة في الإسلام و في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).

    -فزينب (عليها السلام) هي بنت فاطمة الزهراء بنت خديجة الكبرى (عليهما السلام) ، وهذه السلسة الناصعة من النساء كان لهن أدوار مهمة جدا في الحفاظ على الإسلام واستمراره: 

    ولذلك دلالات واضحة على أدوار هؤلاء النسوة اللاتي تعرضن جميعاً بسبب مواقفهن الكبيرة وأدوارهن المتصدية للعنف و الحصار والمضايقة ولم يمنعهن ذلك من تثبيت الموقف وقول الحق و فعل الصواب و كسب الاحترام والتبجيل في أعين كافة المسلمين و الأحرار .

    -إن الدين الإسلامي قد راعى بشكل واضح تحقيق المساواة في القيمة الإنسانية والإيمانية للمرأة إلى جانب الرجل بقوله تعالى (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) ، كما راعى العدالة في توزيع الأدوار المتناسبة و الحقوق المشروعة بين الرجل والمرأة في الأسرة وفي عموم موارد المعيشة والحياة ، فالمرأة مصونة و مكرمة بين أهلها ( أباً وأخاً و زوجاً وإبناً ) محترمة ومقدرة في محيطها و مجتمعها و قومها حيثما كانت ، وأحكام الشريعة الإسلامية صريحة بأزاء سمعة المرأة ومكانتها في المجتمع وتحصينها من موارد التعنيف ( الأسري أو المجتمعي ، الجسدي أو النفسي ، المباشر و غير المباشر ) في كل المواطن والأوقات والظروف .

    -وهذه الأمور مدعاة في المجتمع الإسلامي والحضاري والإنساني ، أن يتم مراعاة تحقيقها في قوانيننا و أنظمتنا و تعاملاتنا و ثقافتنا وإعلامنا و منابرنا ، حفاظا على قيمنا وعقيدتنا و أسرنا و هويتنا و مجتمعاتنا .

    -وهنا بودي أن أعلق بوضوح على المغالطات والتوهمات التي تعمد البعض إثارتها لمآرب سياسية واضحة المقاصد ، حول عبارات مقتطعة من كلمة قدمناها في سنوات ماضية في مثل هذا الجمع الكريم ، حول دعم المرأة وحقوقها ومناهضة كافة أشكال العنف إتجاهها مما ولد بعض الإلتباس لدى الرأي العام واستحق الاشارة بنقاط سريعة :

    -إننا حين ندعو إلى مناهضة العنف ضد المرأة ونؤيد دعمها و احقاق حقوقها و تحقيق العدالة بينها و بين الرجل في أدوارها الهامة داخل الأسرة وفي سياق بناء المجتمع وريادته ، فإننا نركز في ذلك كله على قيمنا و هويتنا وثقافتنا الدينية الإسلامية الغنية بهذه المفاهيم و الحقوق و الأدوار و الواجبات ، ونرى لزاماً علينا أن نزيل الأوهام و التشوهات والأحكام الذهنية المسبقة لدى الآخرين في قرائتهم للإسلام وشريعته السمحاء ، و نظرته إتجاه المرأة و حقوقها ، ونرى من الواجب ادامة زخم هذه الفعاليات البناءة الهادفة إلى الدفاع عن الإسلام و المرأة معا ، إيمانا منا بصواب الوحي و عدالة الإسلام و مكانة الأم و الأخت و الزوجة و البنت و دورها في بناء مؤسسة الأسرة وفقاً لقواعد ديننا الحنيف .

    -إننا نرفض بوضوح تحريف المفاهيم والثوابت الحقة و المشروعة في الدفاع عن مكانة المرأة إسلاميا و وطنياً و إنسانياً ومجتمعياً ، لتمرير أجندات معادية ومنحرفة تحاول جعل المرأة و حقوقها ذريعة و مصلحة لضرب مجتمعاتنا وقيمها و تفكيك الأسر وتفريق العوائل و بث الفتنة فيها.

    فنحن ندافع بقوة و بفخر و إصرار عن حقوق ومكانة و أدوار المرأة ضمن أطر عقيدتنا وهويتنا و ثوابتنا الإسلامية و المجتمعية ، ونرفض و نستنكر و نقف بشدة بوجه جميع الأجندات والمآرب والمفاهيم الدخيلة والمنحرفة التي تظهر المرأة كبضاعة و سلعة و هدف استهلاكي لتفكيك الأسرة و المجتمع .

    -إن المفاهيم و المصطلحات الحديثة المتداولة دولياً وأممياً ، تكون مقبولة ومشروعة بحدود ملائمتها وتطابقها مع هويتنا وعقيدتنا ومتبنياتنا الأصيلة ، وكل ما يخرج عن هذه الحدود يبقى مرفوضاً و منبوذاً ومستنكراً من قبلنا ، مهما تكن الجهات المتبنية له.

    ومن هنا أدعو مجلس النواب العراقي والبرلمانات العربية و الإسلامية إلى التكاتف والتضامن مع القوى والنخب والشخصيات الدينية والأكاديمية والمجتمعية في عالمنا الإسلامي لغرض تشريع القوانين الكفيلة بالحفاظ على حقوق الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن و غيرهم ، وأخذ ما يقتضي لتأطير المصطلحات و المفاهيم اللازمة في هذا المجال بما يتلائم مع عقيدتنا وهويتنا ، والعمل الدبلوماسي الدولي المشترك لترسيخ رؤية العالم الإسلامي إتجاه هذه القضايا أمميا ودوليا.

    -كما أدعو الجهات التشريعية و التنفيذية والقضائية ذاتها إلى العمل الجاد على مكافحة الانحرافات و الأجندات التي تستهدف الطبيعة والفطرة البشرية و كيان الأسرة القائم على الحياة الزوجية الشرعية بين الرجل و المرأة في سياق الترويج والتسويق الدخيل لـ(مفاهيم الشذوذ الجنسي) في دولنا و إفهام الجهات الدولية و الأممية بعدم انسجام هذه المسارات المتبناة من قبلهم مع قوانين و أعراف بلداننا الإسلامية وعدم الرضوخ لأي ضغوطات في هذا الاتجاه.

    فعندما نكّون ونتبنى قراراً موحداً و حاسماً في هذا الاتجاه ، سيتفهم الآخرون حدود التداخل والتبادل الثقافي بين الشعوب والدول ، وستتكاتف العديد من الدول غير الإسلامية مع موقفنا و مطلبنا الإنساني و الفطري المشروع كما هو معروف و واضح عن مواقف العديد من تلك الدول الرافضة للشذوذ الجنسي والانحرافات الأخلاقية.

    -نجدد دعواتنا السابقة بضرورة تنفيذ وتطبيق قانون الناجيات العراقيات المضطهدات ، لاسيما الإيزديات والتركمانيات والشبكيات وغيرهن ،   وتشريع القوانين الكفيلة برعاية حقوق المرأة العراقية و دعمها إجتماعيا و سياسيا لضمان تماسك الأسرة و المجتمع ونجاحهما ، إلى جانب رعاية حقوق الطفولة و كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة.

    وفي ما یخص الشأن السیاسي:

    فـإنـنا في الأشھـر الـمقبلة سـنكون عـلى أعـتاب إجـراء الإنـتخابـات المحـلیة.. وھنا أود الإشارة إلى أبرز النقاط في هذا الصدد:

    أولا/ إن صـنادیـق الاقـتراع ھـي الحـل السـلمي والـخیار الآمـن والأسـلوب الـفاعـل لإجـراء أي تـغییر فـي الـبلاد..

    فـالـقرار بـید الـمواطـن الـناخـب.. ومـن غـیر تـلك الحـلول السليمة الآمـنة ، فـإن الـضیاع والتشـتت والـمجھول ستكون سمات الـمصیر المحتوم.

    وعـلیه.. فـإنـني أدعـو أھـلي وإخـوتـي وشـعبي.. أن لا يسمعوا لأصـوات الـمقاطـعة أو دعوات الـتھویـن مـن فـاعـلیة الإنتخابات ودورھا الحاسم في اختيار من يمثلهم في إدارة الحكومات المحلية بما يحقق التوازن المطلوب في البلاد.

    ثـانـیا/ إن وجـود أعـداد كـبیرة مـن الأحـزاب والـتحالـفات الإنـتخابـیة ودخـولـھا مـضمار الـتنافـس الإنـتخابـي.. یـدل عـلى صـحة مـسار نـظامـنا السـیاسـي.. لـكن ذلـك وحـده لا یـكفي مـن دون إرادة الـمواطـن و وعيه المسؤول فـي الاخـتیار السـلیم لـمن یمثله في مراكز السلطة والقرار.

    لیكن الإنتخاب والاختیار عبر البرامج الخدمیة والمشاریع الواقعیة..

    ولیكن الولاء والانتماء عبر الإخلاص للوطن والشعب..

    -يجب اختیار الأصلح والأنزه والأقوى فذلك سبیلنا للتغییر واكمال مسار البناء والإعمار في بلدنا.

    -لیكن اختیار القائمة الإنتخابیة على أساس مشروعھا الخدمي الواضح والواقعي.

    ولیكن اختیار المرشحین على أساس الكفاءة والخبرة والنزاھة.

    فمن غیر توفر ھذین الشرطین لن یكون للإنتخاب تأثير ملموس.. وقد تتكرر الاخفاقات مرة أخرى لا سمح الله.

    ثـالـثا/ أدعـو السيد السوداني وحكومته إلـى مواصلة رعـایـة ودعـم الـعملیة الإنـتخابـیة وانـجاحـھا والجدية فـي مواجھة كل من یرید تعطیلھا أو تحویل التنافس إلى صراع یھدد وحدة البلد وأمنه.

    فـصنادیـق الاقـتراع ھـي السـبیل لاسـتقرار الـبلد.. وھـي المحـرك الآمـن لأي عـملیة تـغییریـة لـصالـح شـعبنا وخير بلدنا.

    وعـلیه لابـد مـن اتـخاذ الإجـراءات الـكفیلة فـي مـحاسـبة مـن یـسعى لـزعـزعـة الاسـتقرار فـي الـبلد.. واسـتغلال شـبابـنا من خلال نشر الأكاذیب وأسالیب التدلیس والتأجيج والإحباط وتغییب الحقائق.

    أمن شبابنا وبلدنا خط أحمر لن نقبل بتجاوزه.

    حمى الله العراق وشعبه وشبابه من كل سوء.

    وحمى الله مراجعنا العظام ولا سيما المرجع الأعلى الإمام السيستاني (دام ظله الوارف) ورحم الله شهداءنا الأبرار بواسع رحمته.

    والسلام علیكم ورحمة الله وبركاته.

    اخبار ذات صلة